بدر شاكر السياب

بدر شاكر السياب
جدتي لـ من أبث بعدك شكواي؟ طواني الأسى وقل معيني أنت يا من فتحت قلبك بالأمس لحبي أوصدت قبرك دوني فقليل على أن اذرف الدمع ويقضى على طول أنيني

الأربعاء، ديسمبر 19، 2012

ذكرى لقاء

قد انتصف الليل فاطو الكتاب
عن الريح و الشمعة الخابية
فعيناك لا تقرآن السطور
و لكنها العلة الواهيه
فأنت ترى مقلتيها هناك
و ذكرى من الليلة الماضيه
فتطوي على ركبتيك الكتاب
و ترنو إلى الأنجم النائيه
**
هنا أنت بين الضياء الضئيل
و بين الدجى في الفضاء الرحيب
و كم من مصابيح تفنى هناك
تنير الثرى و الفراغ الرهيب
**
مصابيح كانت تذوب
و تنحل في شعرها:
خطانا و لون الغروب
و ما ضاع من عطرها
و تلقي على ذكريات الشتاء
ستاراً من الأدمع الراجفة
فتخبو مصابيحهن البعاد
بطيئاً كما تبرد العاطفة
كما افترقت يوم حان الرحيل
يد صافحتها يد واجفة
كرجع الخطى في الطريق البعيد
كما انحلت الرغبة الخائفة
**
وتصغي و لا شيء إلا السكون
و إلا خطى الحارس المتعب
وإلا ارتعاش الضياء الضئيل
و خفق الظلال على المكتب
**
و أسفارك البالية
كأشباح موتى تسير
حياري إلى الهاوية
وحلم أدكار قصير
**
و تنساب مثل الشراع الكئيب
وراء الدجى روحك الشاردة
ترى وجهها كالتماع النجوم
و تطويه عنك اليد الماردة
إلى أن يذوب الضباب الثقيل
و تنهار ألوانه الجامدة
فها أنت ذا تستعيد اللقاء
كما عادت الجثة الباردة
**
و تمتد يمناك نحو الكتاب
كمن ينشد السلوة الضائعة
فتبكي مع العبقري المريض
و قد خاطب النجمه الساطعة
**
تمنيت يا كوكب
ثباتا كهذا أنام
على صدرها في الظلام
وافني كما تغرب
و يغشى رؤاك الضياء القديم
بطيئاً كما سارت القافلة
ترى الباب مثل انعكاس المغيب
على صفحة الجدول الناحلة
و يغشى رؤاك الضياء القديم
ينير لك الغرفة الآفلة
و يغشى رؤاك الضياء القديم
فيا لانتفاضتك الهائلة!
**
ترى الباب ألقى عليه الأصيل
ظلالاً من الكرمة العارية
فما كان غير اعتناق طويل
عصرنا به القوة الباقية
**
و ألقيت عبء السنين
و رأسي على صدرها
فشدت عليه اليمين
و أدنته من ثغرها
**
و أيقنت أن الحياة الحياة
بغير الهوى قصة فاترة
و إني بغير التي ألهبت
خيالي بأنفاسها العاطرة
شريد يشق ازدحام الرجال
و تخنقه الأعين الساخرة

الجمعة، يوليو 06، 2012

أسمعه يبكي



أسمعه يبكي يناديني
في ليلي المستوحد القارس
يدعو أبي كيف تخلّيني
وحدي بلا حارس
غيلان لم أهجرك عن قصد
الداء يا غيلان أقصاني
إني لأبكي مثلما أنت تبكي في الدجى وحدي
ويستثير الليل أحزاني
فكلما مرّ نهار و جاء
ليل من البرد
ألفيتني أحسب ما ظلّ في جيبي من النقد
أيشتري هذا القليل الشفاء ؟
سأطرق الباب على الموت في دهليز مستشفى
في البرد و الظلماء و الصمت
سأطرق الباب على الموت
في برهة طال انتظاري بها في معبر من دماء
و أرسل الطرفا
فلا أرى إلا الدجى و الخواء
يا ويلتي إن يفتح الباب
فأبصر الأموات من فرجته
يدعونني مالك ترتاب
بالموت ؟في هجعته
ما يعدل الدنيا و ما فيها
دفء نعاس خدر و ارتخاء
أوشك أن أعبر في برزخ من جامدات الدماء
تمتدّ نحوي كفّها كف أمي بين أهليها
لا مال في الموت و لا فيه داء
ثم تسدّ الباب كفّ الطبيب
تجرح في جسمي
و هاتفا باسمي
أسمع صوتا ناعسا قد أجيب
فيهزم الموت على صوتى
وربما استسلمت للموت

الأحد، يونيو 24، 2012

العش المهجور



بمنحى من مراقبة العيون
و منأى عن متابعة الظنون
و في ظل النخيل حطام عش
تلفع بالأزاهر و الغصون
ترحل طائراه فبارت خلوا
عميق الحزن متصل السكون
يكاد نسيجه عشبا وزهرا
يبوح بما يسر من الأنين
يحن إلى الجداول و الروابي
و ضاكة السهول و الحزون
لقد ذهب الذي سلاه عنها
فعاد إلى التشوق و الحنين
كأن العش حين خلا و أقوى
و متا به صدى النغم الحنون
غدير جف غاربه و ماتت
أغاني موجه المرح المعين
كأن قشاشة أوتار عود
مكفنة بها جثث اللحون
و أبدل من ظعين قد تولى
بما لم يسله حب الظعين
إذا متع النهار أوت إليه
ظلال النخل ناعسة الجفون
و يطرقه شعاع النجم و هنا
و ضوء البدر حينا بعد حين
طروق الذكريات فؤاد صب
كثير الشجو منقطع الوتين
تمر به النسائم هامسات
فتنشر فيه عطر الياسمين
و توقظ في جوانبه الأغاني
عذاب الجرس فاتنة الرنين
و كم غمرته أنفاس الخزامى
قد امتزجت بدمع ندي هتون
و ربة وحشة تأوي إليه
إذا أوت الطيور إلى الوكون
ليشبهني مثل حالي
و شأن في الغرام حكى شؤون
فقلبي لا يزال قرين شجو
متى هفت القلوب إلى قرين
إذا الأحلام زرن عيون غيري
تزور العبرة الحرى عيوني
يكاد العش إن هتفت صدوح
يبادلها غناء شج حزين
و ليل نام سامره اكتئابا
أثار له الخفي من الشجون
و أذكره ليالي ذاهبات
فغص من الكآبة بالدجون

الاثنين، يونيو 18، 2012

النهر و الموت



بويب
بويب
أجراس برج ضاع في قرار البحر
الاء في الجرار و الغروب في الشجر
و تنضح الجرار أجراسا من المطر
بلورها يذوب في أنين
بويب يا بويب
فيدلهم في دمي حنين
إليك يا بويب
يا نهري الحزين كالمطر
أود لو عدت في الظلام
أشد قبضتي تحملان شوق عام
في كل إصبع كأني أحمل النّذور
إليك من قمح و من زهور
أود لو أطل من أسرّة التلال
لألمح القمر
يخوض بين ضفتيك يزرع الظلال
و يملأ السّلال
بالماء و الأسماك و الزهر
أود لو أخوض فيك أتبع القمر
و أسمع الحصى يصل منك في القرار
صليل آلاف العصافير على الشجر
أغابة من الدموع أنت أم نهر
و السمك الساهر هل ينام في السّحر
و هذه النجوم هل تظل في انتظار
تطعم بالحرير آلافا من الإبر
و أنت يا بويب
أود لو عرفت فيك ألقط المحار
أشيد منه دار
يضيء فيها خضرة المياه و الشّجر
ما تنضح النجوم و القمر
و أغتدي فيك مع الجزر إلى البحر
فالموت عالم غريب يفتن الصّغار
و بابه الخفي كان فيك يا بويب
عشرون قد مضين كالدّهور كل عام
و اليوم حين يطبق الظلام
و أستقرّ في السرير دون أن أنام
و أرهف الضمير دوحة إلى السّحر
مرهفة الغصون و الطيور و الثمر
أحسّ بالدّماء و الدموع كالمطر
ينضحهنّ العالم الحزين
أجراس موتى في عروقي ترعش الرنين
فيدلهم في دمي حنين
إلى رصاصة يشق ثلجها الزّؤام
أعماق صدري كالجحيم يشعل العظام
أود لو عدوت أعضد المكافحين
أشدّ قبضتيّ ثم اصفح القدر
أود لو غرقت في دمي إلى القرار
لأحمل العبء مع البشر
و أبعث الحياة إن موتى انتصار
لأحمل العبء مع البشر
و أبعث الحياة إن موتى انتصار

السبت، يونيو 16، 2012

أغنية بنات الجن



شعورنا بللها المطر
و أشعل القمر
فيها فوانيس فيا قوافل الغجر
بشعرنا اهتدى
سيري إلى السحر
سيري إلى الغد
نحن بنات الجن لا ننام
نهيم في الظلام
على ذرى التلال أو نركض في المقابر
نعشق كل عابر
نسمعه أغاني الشباب و الغرام
إن نزلت صبية فيها من البشر
و أوحشتها وحدة القبور أو دجنة الحفر
سرت أغانينا إليها تعبر التراب
تقول إن عريت فالثياب
تنسجها عناكب الشجر
و كل خيط من خيوطها يرن كالوتر
نامي إلى أن يؤذن القدر
و يحشر الموتى إلى الحساب
حبيبك الوفي مس ثغره ابتسام
فقد رأى سواك
بل رآك في قوامها الندي كالزهر
و هدبها و مقلتيها أشعل الهيام
في عينه السهر
رآك فيها فاشتهاك ليته انتظر
نلوح للطفل فراشات من الشعاع
تخفق في ذوائب الشجر
و يلمح العاشق في عيوننا الوداع
إذ يصفر القطار أو يصفق الشراع
و نحن للشاعر إن شعر
نلوح في الدخان و العقار
ننشد فلك سندباد ضل في البحر
حتى أتى جزيرة يهمس في شطآنها المحار
يهمس عن مليكة يحبها القمر
فلا يغيب عن سماء دارها النضار
فيهتف الشاعر خذنني إلى حماها
لأنني أهواها
لأنني القمر
و جن و انتحر
شعورنا بللها المطر
و يرشف القمر
منها إلى أن يقبل السحر
نركض في المقابر
نضل كل شاعر
و كل من عبر

الأربعاء، يونيو 13، 2012

أغنية قديمة



-1-
في المقهى المزدحم النائي, في ذات مساء
و عيوني تنظر في تعب,
في الأوجه و الأيدي و الأرجل و الخشب :
و الساعة تهزأ بالصخب
و تدق- سمعت ظلال غناء
أشباح غناء
تتنهد في الحاني, و تدور كإعصار
بال مصدور
ينتفس في كهف هار
في الظلمة منذ عصور
**
-2-
أغنية حب أصداء
تنأى و تذوب و ترتجف
كشراعٍ ناءٍ يجلو صورته الماء
في نصفِ اللليل.. لدى شاطيءِ إحدى الجزر
و أنا أصغي.. و فؤادي يعصرهُ الأسف:
لم يسقط ظلُ يد القدر
بين القلبين؟! لم أنتزع الزمنَ القاسي
من بين يدي و أنفاسي
يمناك؟‍ و كيف تركتُكِ تبتعدين كما
تتلاشى الغنوة في سمعي نغماً نغما؟!
**
-3-
آه ما أقدم هذا التسجيل الباكي
و الصوت قديم
الصوت قديم
ما زال يولولُ في الحْاكي
الصوتُ هنا باقٍ أما ذات الصوت:
القلب الذائبُ إنشاداً
و الوجهُ الساهمُ كالأحلام فقد عادا
شبحاً في مملكة الموت
لا شيء.. هنالك في العدم
و أنا أصغي و غداً سأنام عن النغم!
أصغيتُ فمثل إصغائي
لي وجه مغنيه كالزهرة حسناء
يتماوجُ في نبراتِ الغنوة كالظل
في نهرٍ تقلقهُ الأنسام
في آخرِ ساعاتِ الليل
يصحو و ينام
أأثور؟‍ أأصرخ بالأيام و هل يجدي؟
إنا سنموت
و سننسى في قاع اللحد؟
حباً يحيا معنا و يموت !
**
-4-
ذراتُ غبار
تهتزُ و ترقصُ في سأم
في الجو الجائشِ بالنغم
ذرات غبار!
الحسناء المعشوقة مثل العشاق
ذراتُ غبار!
كم جاء على الموتى والصوت هنا
 باليل نهار!!
هل ضاقت مثلي بالزمن
تقويماً خُط على كفن
ذرات غبار؟‍!؟