بدر شاكر السياب

بدر شاكر السياب
جدتي لـ من أبث بعدك شكواي؟ طواني الأسى وقل معيني أنت يا من فتحت قلبك بالأمس لحبي أوصدت قبرك دوني فقليل على أن اذرف الدمع ويقضى على طول أنيني

الخميس، فبراير 16، 2012

سفر أيوب 4

يا ربّ أيوب قد أعيا به الداء

في غربة دونما مال و لا سكن

يدعوك في الدّجن

يدعوك في ظلموت الموت أعباء

ناد الفؤاد بها فارحمه إن هتفا

يا منجيا فلك نوح مزّق السّدفا

عني أعدني إلى داري إلى وطني

**

أطفال أيّوب من يرعاهم الآنا

ضاعوا ضياع اليتامى في دجى شات

يا رب أرجع على أيوب ما كانا

جيكور و الشمس و الأطفال راكضة بين النخيلات

و زوجة تتمرّى و هي تبتسم

أو ترقب الباب تعدو كلّما قرعا

لعله رجعا

مشاءة دون عكّاز به القدم

**

في لندن الليل موّت نزعه السّهر

و البرد و الضّجر

و غربة في سواد القلب سوداء

يا ربّ يا ليت أنّي لي إلى وطني

عود لتلثمني بالشمس أجواء

منها تنفّست روحي طينها بدّني

و ماؤها الدم في الأعراق ينحدر

يا ليتني بي من في تربها قبروا

**

لأنه منك حلو عندي المرض

حاشا فلست على ما شئت أعترض

و المال ؟ رزق سيأتي منه موفور

هيهات أن يذكر الموتى وقد نهضوا

من رقدة الموت كم مص الدماء بها دود ومدّْ بساط

الثلج ديجور

إني سأشفى سأنسى كلّ ما جرحا

قلبي و عرّى عظامي فهي راعشة و الليل مقرور

و سوف أمشي إلى جيكور ذات ضحى.

الثلاثاء، فبراير 14، 2012

سفر أيوب 3



بعيدا عنك في جيكور عن بيتي و أطفالي

تشدّ مخالب الصّوان و الأسفلت و الضّجر

على قلبي تمزّق ما تبقّى فيه من وتر

يدندن يا سكون الليل يا أنشودة المطر

تشد مخالب المال

على بطني الذي ما مرّ فيه الزاد من دهر

عيون الجوع و الوحدة

نجومي في دجى صارعت بين وحوشه برده

و إن البرد أفظع لا كأنّ الجوع أفظع لا فإنّ الداء

يشلّ خطاي يربطها إلى دوّامة القدر

و لولا الداء صارعت الطوى و البرد و الظلماء

بعيدا عنك أشعر أنني قد ضعت في الزحمة

و بين نواجد الفولاذ تمضغ أضلعي لقمة

يمر بي الورى متراكضين كأن على سفر

فهل أستوقف الخطوات؟ أصرخ أيها الإنسان

أخي يا أنت يا قابيل خذ بيدي على الغمّة

أعني خفّف الآلام عني و اطرد الأحزان

و أين سواك من أدعوه بين مقابر الحجر

**

و لولا الداء ما فارقت دراي يا سنا داري

و أحلى ما لقيت على خريف العمر من ثمر

هنا لا طير في الأغصان تشدو غير أطيار

من الفولاذ تهدر أو تحمحم دونما خوف من المطر

و لا أزهار إلا خلف واجهة زجاجّية

يراح إلى المقابر و السجون بهنّ و المستشفيات

ألا ألا يا بائع الزهر

أعندك زهرة حيّة

أعندك زهرة مما يربّ القلب من حبّ و أهواء

أعندك وردة حمراء سقّتها شموس إستوائيّة

أأصرخ في شوارع لندن الصّماء هاتوا لي أحبائي

و لو أنى صرخت فمن يجيب صراخ منتحر

تمرّ عليه طول الليل آلاف من القطر؟

الأحد، فبراير 12، 2012

سفر أيوب 2

من خلل الثلج الذي تنثّه السماء

من خلل الضباب و المطر

ألمح عينيك تشعّان بلا انتهاء

شعاع كوكب يغيب ساعة السّحر

و تقطران الدمع في سكون

كأنّ أهدابها غصون

تنطف بالندى مع الصباح في الشتاء

من خلل الدّخان و المداخن الضخام

تمجّ من مغار قابيل على الدروب و الشّجر

ذرا من النجيع و الضّرام

أسمع غيلان يناديك من الظلام

من نومه اليتيم في خرائب الضجر

سمعت كيف دق بابنا القدر

فارتعشت على ارتجاف قرعة ضلوع

ورقرت دموع

فاختلس المسافر الوداع و انحدر
**

و قبلة بين فمي و خافقي تحار

كأنها التائه في القفار

كأنها الطائر إذ خرب عشه الرياح و المطر

لم يحوها خد لغيلان و لا جبين

ووجه غيلان الذي غاب عن المطار

و أنت إذ وقفت في المدى تلوّحين
**

إقبال إن في دمي لوجهك انتظار

و في يدي دم إليك شدّة الحنين

ليتك تقبلين

من خلل الثلج الذي تنثّه السماء

من خلل الضباب و المطر.