بدر شاكر السياب

بدر شاكر السياب
جدتي لـ من أبث بعدك شكواي؟ طواني الأسى وقل معيني أنت يا من فتحت قلبك بالأمس لحبي أوصدت قبرك دوني فقليل على أن اذرف الدمع ويقضى على طول أنيني

السبت، يوليو 18، 2015

لا تزيديه لوعة


  
لا تزيديه لوعة فهو يلقاك
لينسى لديك بعض اكتئابه
قربي مقلتيك من وجهه الذاوي
تري في الشحوب سر انتحابه
و انظري في غصونه صرخة اليأس
أشباح غابر من شبابه :
لهفة تسرق الخطى بين جفنيه
و حلم يموت في أهدابه
**
و اسمعيه إذا اشتكى ساعة البين
و خاف الرحيل- يقوم اللقاء
و احجبي ناظريه, في صدرك المعطار
وعن ذاك الرصيف المضاء
عن شراع يراه في الوهم ينساب
وموج يحسه في المساء :
الوداع الحزين!! شذى ذراعيك
عليه على الأسى والشقاء
**
حدثي حديثه عن ذلك الكوخ
وراء النخيل بين الروابي
حلم أيامه الطوال الكئيبات
فلا تحرميه حلم الشباب
أوهميه بأنه سوف يلقاك
على النهر تحت ستر الضباب
وأضيئي الشموع في ذلك الكوخ
وإن كان كله من سراب
**
كلما ضج شاكيا في ذراعيك
انتهاء الهوى صرخت انتهارا
فارتمي أين يرتمي صدره الجـ
ـاش حزناً وحيرة وانتظارا ؟
اغضبي وادفعيه عن صدرك
القاسي وأرخي على هواه الستارا
أوصدي الباب خلفه.. واتركيه
مثلما كان.. للدجى والصحارى !

سوف أمضي


سوف أمضي أسمع الريح تناديني بعيداً

في ظلام الغابة اللفّاء .. والدّرب الطويل

يتمطي ضجراً، والذئب يعوي، والأفول

يسرق النجم كما تسرق روحي مقلتاك

فاتركيني أقطع الليل وحيدا

سوف أمضي فهي ما زالت هناك

في انتظاري

**

سوف أمضي. لا هدير الَّسيل صخّابا رهيبا

يغرق الوادي، ولا الأشباح تلقيها القبور

في طريقي تسأل اللَّيل إلى أين أسير

كل هذا ليس يثنيني فعودي واتركيني

ودعيني أقطع اللَّيل غريبًا

إنها ترنو إلى الأفق الحزين

في انتظاري

**

سوف أمضي حوّلي عينيك لا ترني إليّا

إن سحراً فيهما يأبى على رجلي مسيرا

إن سراً فيهما يستوقف القلب الكسيرا

وارفعي عني ذراعيك ... فما جدوى العناق

إن يكن لا يبعث الأشواق فيّا ؟

اتركيني ها هو الفجر تبدى، ورفاقي

في انتظاري .

هوى واحد !

وعانقت آمالي الآيبة
بروحي إلى روحك الواثبة
بعينيك في بسمة ذائبة
على مقلتيك ارتشفت النجوم
وسابقت حتى جناح الخيال
أطلت فكانت سناً ذائباً
أناشيد تحت ضياء القمر
فتحلم أزهاره بالمطر
ويغفو على الزورق المنتظر
أأنت التي رددتها مناي
تغني بها في ليالي الربيع
ويمضي صداها يهز الضياء
بما ارتج في قاعها من شراب
جف ذاك الرحيق
و إلا صدى هامس في القرار
خذي الكأس بلي صداك العميق
خذي الكأس لا
ألا ليتني ما سقيت التراب
على قبر ذاك الهوى الخاسر
وتشتفه من يد العاصر
فما في حياتي سوى حاضر
خذي الكأس إني زرعت الكروم
فأعراقها تستعيد الشراب
خذي الكأس اني نسيت الزمان
جلوسي على الشاطيء المقفر
وكان انتظار لهذا الهوى
ويرتد عن أفقه الأسمر
وإرسال طرفي يجوب العباب
وقالت لك الأمنيات : أنظري
وكان انتظار لهذا الهوى
وإرسال طرفي يجوب العباب
إلى أن أهل الشراع الضحوك
وقلبي وأشواقك العارمة
صداها .. فيا لك من ظالمة
ذبولا على الزهرة النائمة
أأنكرت حتى هواك اللجوج
وضللت في وهدة الكبرياء
تجنيت حتى حسبت النعاس
خطانا وأنفاسنا الواجفة
تغني به القبلة الراجفة
وما زال في غيهب العاطفة
أتنسين تحت التماع النجوم
وكيف احتضنا صدى في القلوب
صدى لج احتراق الشفاة
ظلال من القبلة النائية
ويمنعها الشك .. والواشية
جمعنا بها الدهر في ثانية
تنادي بها رغبة في الشفاة
فترتج عن ضغطة في اليدين
نداء سيبقى يجوب السنين
يهز التماعاتها بالرنين
إليك وقال ألا تذكرين
شقيقة روحي ألا تذكرين
وهمس من الأنجم الحالمات
تسلل من فجوة في الستار
سنا ماج فيه اتقاد الفؤاد
خيال اللظى والنجوم البعاد
ولا تزعمي أن هذا رماد؟
تعالي فما زال في مقلتي
كما لاح في الجدول المطمئن
فلا تزعمي أن هذا جليد

الاثنين، فبراير 03، 2014

منزل الاقنان


خرائبُ فانزع الأبوابَ عنها تغدُ أطلالا،

خوالٍ قد تصُكُ الريحُ نافذةً فتُشرِعُها إلى الصّبحِ

تطلُ عليك منها عينُ بومٍ دائبِ النوحِ.

وسُلّمُها المحطّمُ،،

مثل برجٍ داثرٍ، مالا يئنُ إذا


أتتهُ الريح تَصعَدُهُ إلى السطحِ،

**
سفينٌ تعرِك ُالأمواجُ ألواحه

وتملأُ رُحبةَ الباحة

ذوائبُ سدرةٍ غبراء تزحمُها العصافيرُ

تعِدُ خطى الزمان بسقسقاتٍ،

والمناقيرُ كأفواهٍ من الديدان تأكلُ جثّةَ الصمتِ

وتملأُ عالمَ الموتِ بهسهسةِ الرثاء،

فتفزعُ الأشباح.. تحسبُ أنه النورُ

سيشرقُ فهي تمسكُ بالظلال و تهجرُ الساحة

إلى الغرف الدجيّةِ وهي توقظُ ربّةَ البيتِ

لقد طلعَ الصباح و حين يبكي طفلُها الشّبحُ

تهدهدهُ و تنشدُ.. يا خيولَ الموتِ في ألواحهِ

تعالي و احمليني، هذه الصحراء.. لا فرحُ

يَرِفُ بها و لا أمنٌ و لا حبٌ و لا راحه

**

ألا يا منزلَ الأقنان كم من ساعدٍ مفتول

رأيتَ و من خطىً يهتزُ منها صخرُك الهاري

و كم أغنيةٍ خضراء طارت في الضحى المغسولِ

بالشمسِ الخريفيّة

تُحدّثُ عن هوىً عاري

كماءِ الجدول الرقراق كم شوقٍ و أمنّيه

و كم ألمٍ طويت و كم سُقيتَ بمدمعٍ جاري

و كم مهدٍ تهزهز فيك كم موتٍ و ميلادِ

و نارٍ أوقدت في ليلة القرِ الشتائية

يدندن حولها القصّاص يُحكي أن جنّيه

فيرتجفُ الشيوخ و يصمِتُ الأطفال في دَهَشٍ

و إخلادِ

كأن زئيرَ آلاف الأسود يرنّ في وادِ

وقد ضلوا حيارى فيه ثمّ ترِنّ أغنية

أتى قَمَرُ الزمان و دندنَ القصّاص جنيّه

وبؤسُهم المريرُ الجوع و الأحزانُ و السّقمُ

وطفلٌ مات لما جفّ دَرٌ ماتت المعزى

و جاعت أمّهُ فالثدّيُ لا لبنٌ و لا لَحَمُ

سمعتُ صُراخها و الليلُ يَنظرُ نجمُهُ غمزا

و ولولةُ الأبِ المفجوعِ يخنُقُ صوتهُ الألمُ

**

و لو خيّرتُ أبدلتُ الذي ألقى بما ذاقوا

مُمِّضٌّ ما أعاني شَلّ ظهرٌ و انحنت ساقُ

على العكّاز أسعى حين أسعى عاثرَ الخطواتِ مرتجفا

غريبٌ غيرُ نارِ الليلِ ما واساهُ من أحدِ

بلا مالٍ بلا أملٍ يقطّع قلبه أسفا

ألستُ الراكضَ العداءَ في الأمسِ الذي سَلفا

أأمكثُ في ديار الثلج، ثم اموتُ من كمدي

ومن جوعٍ ومن داءٍ وأرزاءِ


أأمكثُ أم أعود إلى بلادي ؟ آه يابلدي

و ما أملُ العليل لديك شَحَ المال ثم رمتهُ بالداء

سهامٌ في يد الأقدار ترمي كلّ من عطفا

على المرضى وشدّ ضلوعَ كل الجائعين بصدره الواهي

و كفكف أدمعَ الباكين يَغسِلُهَا بما و كفا

من العبراتِ في عينيه إلا رحمةُ اللهِ ؟

**

ألا يا منزلَ الأقنان سَقَّتكَ الحيا سُحبُ

تُرَوي قبري الظمآن

تَلثُمُة و تنتَحِبُ.